بوتين يعزف سيمفونيته «الخامسة»

عاجل

الفئة

shadow

د. أحمد الزين

يقول دوستويفسكي: «رغم كلّ ما أصابك من اهتزاز، كن مؤمناً بأنّك الأقوى وعظيم.»
الحروب قذرة، بشعة، مؤلمة.. ما من شك في ذلك. لكنّ أقسى ما فيها حين يكون ضحاياها من الّذين لا ناقة لهم فيها ولا جمل، من المدنيين الّذين لم يشعلوها ولم يكونوا طرفاً فيها حتّى، ولن يكونوا طرفاً أبداً. تبدأ دون أن يعلموا، ويموتون دون أن يفهموا، ثمّ تنتهي دون أن يخبرهم أحد بذلك وتوزّع مكاسب الحرب على من أشعلها، ومن تسبّب فيها ويخسرون هم وحدهم!
فحجر الأساس الّذي ذكر في القانون الدّولي الإنساني والذّي ينصّ بند من بنوده على كيفيّة التّعامل أثناء الحروب لم يذكر عبثاً: «حتّى الحروب لها قواعد… أولاً وقبل كلّ شيء، يجب حماية المدنيين». ولكن للأسف، ذهب البند المذكور مع الرّيح، فالحروب لم تعد تعتمد على عدد المقاتلين وتطوّر الأسلحة بقدر ما يعوّل فيها على قتل أرواحِ بريئة، والتّعدي على ممتلكات خاصة، فقد ولّى زمن حرب الجبهات والخنادق والاشتباك بين الجيوش خارج المدن، وسيطر في الواجهة استهداف المدنيين، تماماً كما حصل في مجزرة موسكو الّتي راح ضحيتها عشرات القتلى والجرحى في هجوم مسلّح على مركز ترفيهيّ قرب العاصمة الرّوسيّة.
بعد تلك النّكسة الموجعة، ظهر القائد الرّوسي جمّاعاً لألبومات متعدّدة، تقلّبت فيها الصّور بين الرّوح القادمة من تاريخ سحيق، وبين القيصر المهيب زعيم الدّولة الّتي نفخ في روحها، بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من الانقسام والتّردّي في الضّعف والهوان.
فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين، الّذي يواصل حربه الماراتونيّة في أوكرانيا، والنّاجح في الانتخابات الرّئاسيّة الأخيرة من دون منافسة، تفاجأ بالرّصاص ينهمر على الجمهور في صالة (كروكوس) قبل أن تؤدّي فرقة الرّوك الشّهيرة، الّتي تشكّلت خلال الحقبة السّوفيتيّة، أغنيتها الشّهيرة النّاجحة» لا اخشى شيئاً».
وإذا كانت السّلطات الروسيّة قد أعلنت عن اعتقال المنفذين والمتعاونين بعد ساعات قليلة، فإنّ اللّافت كان اعتقال بعضهم قرب الحدود الأوكرانيّة، فيما كانوا يتجهون للهرب إليها، بما يشي باحتماليّة ضلوع (كييف) في هذا العمل الإرهابي بالرّغم من مسارعة المسؤولين الأوكران إلى نفي ذلك. كما أنّ السّفارة الأميركيّة لدى روسيا، قد حذّرت مواطنيها قبل أسبوعين من «متطرفين لديهم خطط وشبكة لاستهداف تجمعات كبيرة في موسكو، بما في ذلك حفلات موسيقيّة، وهذا دليل على التّواطؤ الاميركي المحتم.
ما حصل ليس بالأمر السّهل بتاتاً، ولكن حكمة القيادة الرّوسيّة وشجاعتها يدلّان على أنّها ستستعيد المبادرة، بحيث ستسقط أوهام المراهنين على ضعف الجبهة الدّاخلية الرّوسيّة بحكمة بالغة وبمعالجة الواثق، وذلك بحسم أيّ محاولة لزعزعة الأمن الرّوسي والمساس باستقرار، وتماسك مؤسسات الدّولة حيث بدأت القيادة الرّوسيّة بالتّخلص من أزمة التّمرد وأفشلت رهانات القوى المعادية على ضعف الدّولة وعلى إثارة القلاقل فيها وذلك حين صرّح فلاديمير فلاديميروفيتش بوتين بأنّه سيستهدف مناطق عسكريّة بكييف ولن يقتل مدنيين كما فعلوا. القيصر تكلم فيجب على البقية الإنصات الى سيمفونية بوتين «الخامسة» بعنوان «الرد على الأعداء».
فعلى مدار التّاريخ كلّ الامبراطوريات الكبرى عانت من عدّة كبوات ولكن الدّولة العظيمة المقتدرة والمتكلة في قراراتها على ذاتها، هي الّتي نراها تقف ثانية بعد كلّ كبوة تماماً كما روسيا-بوتين، هذه الدّولة الّتي برزت خلال العقدين الماضيين بوصفها «قوة عالميّة» أنهت القطب الواحد وتصدّرت مجموعة لا بأس بها من التّصنيفات.
روسيا اليوم، باتت أقوى من أيّ وقتٍ مضى، والوعي البوتيني الّذي تجسّد في العودة إلى السّاحة، بات في أعلى درجاته، والارادة الّتي تشكّلت يوماً بعد يوم بصلابة لم يعهدها الحكّام من قبل… لذلك لن تؤثّر عليه مثل هكذا حادثة ولكنّها حتماً ستكون الصّمام لتكثيف روسيا عملياتها على أوكرانيا حتى خلاص هذه الحرب، يجب إنتظار سيمفونية بوتين «الخامسة» لأنها ستكون سيفونية سيخلدها التاريخ.
طالما أنّ المبادرات متواجدة، ستنتهي الأزمات كما أنتهت سابقاتها، ومن المرجح أن يستغرق ذلك أشهراً وليس أسابيع نظراً لما حصل، فمن اتّخذ القرار بتوجيه طعنة سامة لموسكو في قلبها، يحسب حساب خطوته التّالية مؤكّداً، وهذه الطّعنة قد تكون أشدّ سمّاً من الأولى لا قدّر الله.
هذا المشهد يبيّن لنا اليوم بأنّنا في رقعة شطرنج دوليّة، تتقابل فيها همجية الحروب من جهة مقابل الهدوء ونهاية الحرب بعودة ترامب إلى البيت الأبيض، ممّا يفسح المجال لشرق أوسط جديد، مستقر، مليء بالازدهار والاقتصاد.
فهل دخلنا المرحلة الثّانية من حروب القرن الحادي والعشرين، الّتي تبدو طلائعها في غزّة وأوكرانيا والّتي تبدو أشدّ فتكاً من حروب القرن الماضي؟ أم أن الشرق الأوسط موعود بانتظام اقتصادي واستقرار كما يروّج البعض…
يقول جوزيف ستالين: القوة الحقيقية الوحيدة تخرج من بندقية طويلة.
واللبيب من الإشارة يفهم…

الناشر

1bolbol 2bolbol
1bolbol 2bolbol

shadow

أخبار ذات صلة